الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***
والأصل هنا أن ما شارك الميت فيه الحي يقع اليمين فيه حالة الحياة والموت، وما اختص بحالة الحياة تقيد بها قوله: (ضربتك، وكسوتك، وكلمتك ودخلت عليك تقيد بالحياة بخلاف الغسل والحمل والمس)؛ لأن الضرب اسم لفعل مؤلم متصل بالبدن، والإيلام لا يتحقق في الميت، ومن يعذب في القبر يوضع فيه الحياة في قول العامة، وكذلك الكسوة؛ لأنه يراد بها التمليك عند الإطلاق، ومنه الكسوة في الكفارة، وهو من الميت لا يتحقق إلا أن ينوي به الستر، وكذلك الكلام والدخول؛ لأن المقصود من الكلام الإفهام والموت ينافيه والمراد من الدخول عليه زيارته وبعد الموت يزار قبره لا هو بخلاف ما لو قال إن غسلته فأنت حر فغسله بعدما مات يحنث في يمينه؛ لأن الغسل هو الإسالة ومعناه التطهير ويتحقق ذلك في الميت، وكذا الحمل يتحقق بعد الموت قال عليه السلام: «من حمل ميتا فليتوضأ» والمس للتعظيم أو للشفقة فيتحقق بعد الموت قال في شرح الطحاوي والأصل أن كل فعل يلذ ويؤلم ويغم ويسر يقع على الحياة دون الممات كالضرب والشتم والجماع والكسوة والدخول عليه. ا هـ. ومثله التقبيل إذا حلف لا يقبلها فقبلها بعد الموت لا يحنث وتقبيله عليه الصلاة والسلام عثمان بن مظعون بعدما أدرج في الكفن محمول على ضرب من الشفقة والتعظيم، وقيد بالكسوة؛ لأنه لو حلف لا يلبسه ثوبا لا يتقيد بالحياة. (قوله: لا يضرب امرأته فمد شعرها أو خنقها أو عضها حنث)؛ لأنه اسم لفعل مؤلم، وقد تحقق الإيلام أطلقه فشمل حالة المزاح والغضب، وقيل إنه إن كان في حالة المزاح لا يحنث، وإلا حنث، وكذلك إذا أصاب رأسه أنفها في الملاعبة فأدماها لا يحنث؛ لأنه لا يعد ضربا في الملاعبة كذا في جامع قاضي خان، ولا يشترط القصد في الضرب لما في عدة الفتاوى حلف لا يضرب امرأته فضرب أمته، وأصاب رأس امرأته يحنث. ا هـ. وفي الذخيرة حلف ليضربن عبده مائة سوط فجمع مائة سوط وضربه مرة لا يحنث قالوا هذا إذا ضربه ضربا يتألم به أما إذا ضربه ضربا بحيث لا يتألم به لا يبر؛ لأنه صورة لا معنى والعبرة للمعنى، ولو ضربه بسوط واحد له شعبتان خمسين مرة كل مرة تقع الشعبتان على بدنه بر في يمينه؛ لأنه صارتا مائة سوط لما وقعت الشعبتان على بدنه في كل مرة، وإن جمع الأسواط جميعا وضربه بها ضربة إن ضرب بعرض الأسواط لا يبر؛ لأن كل الأسواط لم تقع على بدنه، وإنما يقع البعض وإن ضربه برأس الأسواط ينظر إن كان قد سوى رءوس الأسواط قبل الضرب حتى إذا ضربه ضربا أصابه رأس كل سوط بر في يمينه، وأما إذا اندس من الأسواط شيء لا يقع به البر عليه عامة المشايخ، وعليه الفتوى، وقال محمد في الأصل إذا حلف لا يضرب عبده فوجأه أو قرصه أو مد شعره أو زاد في الجامع الصغير أو عضه حنث، ولو قال إن ضربتك فأنت طالق فضرب أمته فأصابها، ذكر في مجموع النوازل أنه يحنث؛ لأن عدم القصد لا يعدم الفعل، وبه كان يفتي الشيخ ظهير الدين المرغيناني وقيل أنه لا يحنث؛ لأنه لا يتعارف والزوج لا يقصده بيمينه، وهكذا ذكر البقالي في فتاواه، وهو الأظهر والأشبه. ا هـ. وفي الظهيرية، ولو حلف أن لا يضرب فلانا فرماه بحجر أو نشابة أو نحوهما ذكر في النوازل أنه لا يحنث؛ لأن ذلك رمي، وليس بضرب، وإن دفعه دفعا، ولم يوجعه لا يحنث، وإن عضه أو خنقه أو مد شعره فآلمه حنث في يمينه قالوا هذا إذا لم يكن في حالة المزاح أما إذا كان في تلك الحال لا يحنث، وهو الصحيح، وإن تعمد غيره فأصابه لا يحنث، وكذا لو نفض ثوبه فأصاب وجهه فآلمه لا يحنث، ولو قال لامرأته إن لم أضربك حتى أتركك لا حية، ولا ميتة قال أبو يوسف هذا على أن يضربها ضربا مبرحا، ومتى فعل ذلك بر في يمينه رجل حلف ليضربن عبده بالسياط حتى يموت أو حتى يقتله فهو على المبالغة في الضرب، ولو قال حتى يغشى عليه أو حتى يستغيث أو حتى يبكي فهذا على حقيقة هذه الأشياء، ولو قال إن لم أضربه بالسيف حتى يموت فهو على أن يضربه بالسيف ويموت، ولو حلف ليضربن فلانا بالسيف، ولم ينو شيئا فضربه بعرضه بر في يمينه، ولو ضربه والسيف في غمده كما لو حلف ليضربن فلانا بالسوط فلف السوط في ثوب وضربه فإنه لا يكون ضربا بالسوط، ولو جرحه بالسيف، وهو في غمده لكن بعدما انشق الغمد بر في يمينه رجل ضرب رجلا بمقبض فأس على رأسه ثم حلف أنه لم يضربه بالفأس لا يحنث رجل قال لامرأته إن لم أضرب ولدك على الأرض حتى ينشق نصفين فأنت طالق فضربه على الأرض، ولم ينشق واليمين كانت مؤقتة بيوم فمضى اليوم طلقت امرأته وجعل هذا بمنزلة ما لو قال إن لم أضربك حتى تبول فإنه يكون على الأمرين. رجل أراد أن يضرب عبده فحلف أن لا يمنعه أحد عن ضربه فمنعه إنسان بعدما ضربه خشبة أو خشبتين وهو يريد أن يضربه أكثر من ذلك قالوا حنث في يمينه؛ لأن مراده أن لا يمنعه أحد حتى يضربه إلى أن يطيب قلبه فإذا منعه عن ذلك حنث في يمينه رجل قال لامرأته إن وضعت يدي على جاريتي فهي حرة فضربها قيل إن كانت اليمين لغيرة المرأة لا يحنث؛ لأن المراد من وضع اليد على الجارية في هذه الحالة الوضع الذي يغيظها ويسوءها والوضع على هذا الوجه لا يغيظها، ولا يسوءها بل يسرها. رجل حلف ليضربن فلانا ألف مرة فهذا على أن يضربه مرارا كثيرة، ولو قال إن لم أضربك اليوم فأنت طالق فأراد أن يضربها فقالت المرأة إن مس عضوك عضوي فعبدي حر فضربها الرجل بخشب من غير أن يضع يده عليها لم يحنث لفقد الشرط، وهو مس عضوه عضوها وكان ينبغي أن يحنث؛ لأن المراد بالمس المذكور هاهنا الضرب عرفا، وهو نظير ما مر من قوله إن وضعت يدي على جاريتي، ولو قالت إن ضربتني فعبدي حر فالحيلة أن تبيع المرأة العبد ممن تثق به ثم يضربها الزوج ضربا خفيفا في اليوم فيبر الزوج وتنحل يمين المرأة لا إلى جزاء رجل قال لامرأته كلما ضربتك فأنت طالق فضربها بكفه فوقعت الأصابع متفرقة طلقت واحدة؛ لأن الضرب حصل بالكف والأصابع تبع لها، وإن ضربها بيديه قنا اثنتين رجل حلف بالله أن يضرب ابنته الصغيرة عشرين سوطا فإنه يضربها بعشرين شمراخا، وهو السعف، وهو ما صغر من أغصان النخل، ولو قال إن لم تأتني حتى أضربك فهو على الإتيان ضربه أو لم يضربه، ولو قال إن رأيت فلانا لأضربنه فعلى التراخي إلا أن ينوي الفور، ولو قال إن رايتك فلم أضربك فرآه الحالف، وهو مريض لا يقدر على الضرب حنث، ولو قال إن لقيتك فلم أضربك فرآه من قدر ميل لم يحنث. ا هـ. (قوله: إن لم أقتل فلانا فكذا، وهو ميت إن علم به حنث، وإلا لا) أي، وإن لم يعلم بموته لا يحنث؛ لأنه إذا كان عالما فقد عقد يمينه على حياة يحدثها الله تعالى فيه وهو متصور فينعقد ثم يحنث للعجز العادي، وأما إذا لم يعلم فقد عقد يمينه على حياة كانت فيه، ولا يتصور فيصير قياس مسألة الكوز على الاختلاف، وليس في تلك المسألة تفصيل العلم هو الصحيح كذا في الهداية، وفي الظهيرية، ولو حلف ليقتلن فلانا ألف مرة فهو على شدة القتل رجل حلف أن لا يقتل فلانا بالكوفة فضربه بالسواد، ومات بالكوفة حنث، وكذلك لو حلف أن لا يقتل فلانا يوم الجمعة فجرحه يوم الخميس، ومات يوم الجمعة ويعتبر فيه مكان الموت وزمانه لا زمان الجرح، ومكانه بشرط أن يكون الضرب والجرح بعد اليمين فإن كانا قبل اليمين فلا حنث أصلا؛ لأن اليمين تقتضي شرطا في المستقبل لا في الماضي. ا هـ. قوله (ما دون الشهر قريب، وهو وما فوقه بعيد)؛ لأن ما دون الشهر يعد في العرف قريبا والشهر، وما زاد عليه يعد بعيدا يقال عند بعد العهد ما لقيتك منذ شهر فإذا حلف ليقضين دينه إلى قريب فهو ما دون الشهر، وإن قال إلى بعيد فهو الشهر، وما فوقه، وكذا لو حلف لا يكلمه إلى قريب أو إلى بعيد، ولفظ العاجل والسريع كالقريب والآجل كالبعيد، وهذا عند عدم النية فأما إن نوى بقوله إلى قريب، وإلى بعيد مدة معينة فهو على ما نوى حتى لو نوى سنة أو أكثر في القريب صحت، وكذا إلى آخر الدنيا؛ لأنها قريبة بالنسبة إلى الآخرة كذا في فتح القدير وينبغي أن لا يصدق قضاء؛ لأنه خلاف العرف الظاهر، وفي الولوالجية إذا حلف ليقضين دينه قريبا فغاب المحلوف عليه فإن الحالف يرفع الأمر إلى القاضي فإذا رفع إليه بر، ولا يحنث لأن القاضي في هذه الصورة انتصب نائبا عنه في هذا الحكم نظرا للحالف هو المختار للفتوى. ا هـ. وفي الظهيرية لو حلف لا يكلمه مليا أو طويلا إن نوى شيئا فهو على ما نوى، وإن لم ينو شيئا فهو على شهر ويوم. ا هـ. وفيها من الفصل الخامس حلف لا يحبس من حقه شيئا، ولا نية له ينبغي له أن يعطيه ساعة حلف يريد به أن يشتغل بالإعطاء حتى لو لم يشتغل به كما فرغ من اليمين حنث في يمينه طلب منه أو لم يطلب، وإن نوى الحبس بعد الطلب أو غيره من المدة كان كما نوى، وإن حاسبه، وأعطاه كل شيء كان له لديه، وأقر به لذلك الطالب ثم لقيه بعد أيام، وقال قد بقي لي عندك كذا وكذا من قبل كذا، وكذا فتذكر المطلوب، وقد كانا جميعا نسياه لم يحنث إن أعطاه ساعة تذكر. (قوله: ليقضين دينه اليوم فقضاه نبهرجة أو زيوفا أو مستحقة بر، ولو رصاصا أو ستوقة لا) أي لا يبر؛ لأن الزيافة والنبهرجة عيب والعيب لا يعدم الجنس، ولهذا لو تجوز به صار مستوفيا فيوجد شرط البر، وقبض المستحقة صحيح، ولا يرتفع برده البر المتحقق. وإن ارتفع القبض؛ لأن ارتفاع القبض لتضرر صاحب الدين ببطلان حقه؛ لأنه لا يمكنه استيفاء الجودة وحدها، ولا استيفاء الجيد مع بقاء الاستيفاء الأول فتعين النقض ضرورة، وأما الرصاص والستوقة فليس هي من جنس الدراهم حتى لا يجوز التجوز بهما في الصرف والسلم والزيوف الرديء من الدراهم يرده بيت المال والنبهرجة أردأ من يرده النجار أيضا والستوقة هي التي غلب عليها النحاس فإن غلبت الفضة لا يحنث؛ لأن العبرة للغالب كذا في التبيين والأولى أن يقال في النبهرجة أنه يردها من التجار المستقضى منهم ويقبلها السهل منهم كما في فتح القدير وذكر مسكين معزيا إلى الرسالة اليوسفية النبهرجة إذا غلب عليها النحاس لم تؤخذ، وأما الستوقة فحرام أخذها؛ لأنها فلوس. ا هـ. ولا فرق في هذه المسائل بين لفظ القضاء أو الدفع، وأطلق في المستحقة فشمل ما إذا رد بدلها في ذلك اليوم أو لا. وأشار المصنف إلى أن المكاتب لو دفع إلى مولاه واحدا من الثلاثة الأول عتق، ولا يبطل عتقه برد المولى، ولو دفع الستوقة والرصاص لا يعتق كما في الفتح وذكر الولوالجي في آخر كتاب الشفعة أن الدراهم الزيوف بمنزلة الجياد في خمس مسائل أولها رجل اشترى دارا بالجياد ونقد الزيوف أخذ الشفيع بالجياد؛ لأنه لا يأخذها إلا بما اشترى، وقد اشترى بالجياد. والثانية الكفيل إذا كفل بالجياد ونقد الزيوف يرجع على المكفول عنه بالجياد. والثالثة إذا اشترى شيئا بالجياد ونقد البائع الزيوف ثم باعه مرابحة فإن رأس المال هو الجياد. والرابعة حلف ليقضين حقه اليوم، وكان عليه جياد فقضاه الزيوف لا يحنث. والخامسة إذا كان له على آخر دراهم جياد فقبض الزيوف فأنفقها، ولم يعلم إلا بعد الإنفاق لا يرجع عليه بالجياد في قول أبي حنيفة ومحمد كما لو قبض الجياد. ا هـ. وفي الظهيرية معزيا إلى النوازل إذا قال المديون لرب المال والله لأقضين مالك اليوم فأعطاه، ولم يقبل قال إن وضعه بحيث تناله يده لو أراد لا يحنث والمغصوب منه إذا حلف أن لا يقبض المغصوب فجاء به الغاصب، وقال سلمته إليك فقال المغصوب منه لا أقبل لا يحنث ويبرأ الغاصب من ضمان الرد. ا هـ. وفيها رجل حلف ليجهدن في قضاء ما عليه لفلان فإنه يبيع ما كان القاضي يبيعه عليه إذا رفع الأمر إلى القاضي. قوله (والبيع به قضاء لا الهبة) أي لو حلف ليقضين دينه اليوم فباع متاعا لصاحب الدين بالدين فقد قضاه دينه وبر، ولو وهب الدائن الدين من المديون فليس بقضاء؛ لأن قضاء الدين طريقه المقاصة، وقد تحققت بمجرد البيع، ولا مقاصة في الهبة؛ لأن القضاء فعله والهبة إسقاط من صاحب الدين، أطلقه فشمل ما قبل قبض المبيع، واشتراط قبض المبيع في الجامع الصغير وقع اتفاقا ليتقرر الثمن في الذمة لا أنه شرط للبر حتى لو هلك المبيع لا يرتفع البر المحقق ببطلان الثمن وشمل البيع الفاسد لكن يشترط قبض المبيع فيه لوقوع المقاصة؛ لأنه لا ملك قبله فيه لتحصل المقاصة ولو كان الحالف هو الطالب بأن قال والله لأقبضن ديني اليوم فالحكم كذلك، وشمل ما إذا كان المبيع مملوكا للحالف أو لغيره، وكذا قال في الظهيرية إن ثمن المستحق مملوك ملكا فاسدا فملك المديون ما في ذمته. وأشار المصنف بالبيع إلى كل موضع حصلت فيه المقاصة بينهما فلذا قالوا لو تزوج الطالب أمة المطلوب على ذلك المال فدخل عليها أو وجب عليه للمطلوب دين بالجناية والاستهلاك لا يحنث، وأفاد المصنف بقوله لا الهبة أنه ليس بقضاء، ولم يتعرض للحنث؛ لأنه لا يحنث في اليمين المؤقتة؛ لأن البر غير ممكن مع هبة الدين، وإمكان البر شرط البقاء كما هو شرط الابتداء كما قدمناه في مسألة الكوز. وعلى هذا لو حلف ليقضين دينه غدا فقضاه اليوم أو حلف ليقتلن فلانا غدا فمات اليوم أو حلف ليأكلن هذا الرغيف غدا فأكله اليوم فإنه لا يحنث وتقدم نظائرها، وهنا فروع حسنة مذكورة في الظهيرية لو قال لغريمه والله لا أفارقك حتى أستوفي منك حقي ثم أنه اشترى من مديونه عبدا بذلك الدين قبل أن يفارقه ثم فارقه قال محمد رحمه الله على قول من لم يجعله حانثا إذا وهب الدين له قبل أن يفارقه وقبل المديون ثم فارقه لا يحنث، وهو قول أبي حنيفة فهاهنا ينبغي أن لا يحنث، وعلى قول من يجعله حانثا في الهبة، وهو قول أبي يوسف يكون حانثا هاهنا، وإن لم يفارقه حتى مات العبد عند البائع ثم فارقه حنث ولو باعه المديون عبدا لغيره بذلك الدين ثم فارقه الحالف بعدما قبض الغريم العبد ثم إن مولى العبد استحقه ولم يجز البيع لا يحنث الحالف؛ لأن المديون ملك ما في ذمته بهذا البيع؛ لأن ثمن المستحق مملوك ملكا فاسدا، ولو باعه المديون عبدا على أنه بالخيار فيه وقبضه الحالف ثم فارقه حنث، ولو كان الدين على امرأة فحلف أن لا يفارقها حتى يستوفي حقه منها فتزوجها الحالف على ما له عليها من الدين فهو استيفاء لما عليها من الدين، ولو باع المديون عبدا أو أمة بما عليه من الدين فإذا هو مدبر أو مكاتب أو أم ولد أو كان المدبر وأم الولد لغير المديون ثم فارقه الطالب بعدما قبضه لا يحنث، ولو وهب الطالب الألف للغريم فقبله أو أحال الطالب رجلا له عليه مال بماله على مديونه أو أحال المطلوب الطالب على رجل، وأبرأ الطالب المطلوب الأول لا يحنث الحالف في هذا كله، ولو حلف ليأخذن من فلان حقه أو قال ليقبضن فأخذ بنفسه أو أخذ وكيله فقد بر في يمينه. وكذا لو أخذه من وكيل المطلوب، وكذلك لو أخذه من رجل كفل بالمال عن المديون بأمر المديون أو من رجل آخر أحال المديون عليه فقد بر في يمينه كذا ذكره القدوري رحمه الله وذكر في العيون إذا حلف الرجل لا يأخذ ماله من المطلوب اليوم فقبضه من وكيل المطلوب حنث فإن قبضه من متطوع لا يحنث، وكذلك لو قبضه من وكيله أو المحتال عليه لم يحنث قال القدوري، وكذلك لو حلف المديون ليقضين فلانا حقه فأمره غيره بالأداء أو أحاله فقبض بر في يمينه، وإن قضى عنه متبرع لم يبر، وفي العيون حلف لا يقبض ماله على الغريم فأحال الطالب رجلا ليس له على الطالب شيء على غريمه، وقبض ذلك الرجل حنث في يمينه وإن كانت الحوالة قبل اليمين لم يحنث، وعلى هذا إذا وكل رجلا بقبض الدين من المديون ثم حلف أن لا يقبض ما له عليه فقبض الوكيل بعد اليمين لا يحنث، وقد قيل ينبغي أن يحنث، وهذا القائل قاس هذه المسألة على ما إذا، وكل رجلا أن يزوجه امرأة أو وكله أن يطلقها ثم حلف أن لا يتزوج أو لا يطلق ثم فعل الوكيل ذلك حنث. ولو حلف لا يقبض دينه من غريمه اليوم فاشترى الطالب من الغريم شيئا في يومه، وقبض المبيع اليوم حنث، وإن قبض المبيع غدا لا يحنث، ولو اشترى منه شيئا بعد اليمين في يومه شراء فاسدا، وقبضه فإن كانت قيمته مثل الدين أو أكثر حنث، وإن كانت قيمته أقل من الدين لا يحنث، وإن استهلك شيئا من ماله اليوم فإن كان المستهلك من ذوات الأمثال لا يحنث؛ لأن الواجب بالاستهلاك مثله لا قيمته، وإن كان من ذوات القيم فإن كانت قيمته مثل الدين أو أكثر حنث؛ لأنه صار قابضا بطريق المقاصة، ولكن يشترط أن يغصب أولا ثم يستهلك فإن استهلكه، ولم يغصبه بأن أحرقه لا يحنث؛ لأن شرط الحنث القبض فإذا غصب أولا وجد القبض الموجب للضمان فيصير قابضا دينه بذلك أما إذا استهلكه فلم يوجد القبض حقيقة فلا يصير قابضا دينه كرجلين لهما على رجل دين مشترك فقبض أحدهما من المديون ثوبا واستهلكه كان لشريكه أن يرجع عليه بحصته من الدين، وإن أحرقه من غير غصب لا يرجع شريكه عليه بشيء رجل له على رجل ثمن مبيع فقال: إن أخذت ثمن ذلك الشيء فامرأته طالق فأخذ مكان ذلك حنطة، وقع الطلاق؛ لأنه أخذ عوض الثمن، وأخذ العوض ينزل منزلة أخذ العوض، ولهذا لو كان له شريك في ذلك كان لشريكه أن يرجع عليه بحصته،. ولو حلف لا يفارق غريمه حتى يستوفي ما له عليه فقعد، وهو بحيث يراه ويحفظه فهو غير مفارق له، وكذلك لو حال بينهما ستر أو أسطوانة من أساطين المسجد، وكذلك لو قعد أحدهما داخل المسجد والآخر خارج المسجد والباب بينهما مفتوح بحيث يراه، وإن توارى عنه بحائط المسجد والآخر خارج المسجد فقد فارقه، وكذلك لو كان بينهما باب مغلق إلا أن يكون المفتاح بيد الحالف بأن أدخله بيتا وغلق عليه بابه، وقعد على الباب فهذا لم يفارقه، وإن كان المحبوس هو الحالف والمخلى عنه هو المحلوف عليه، وهو الذي أغلق عليه الباب، وأخذ المفتاح حنث الحالف، وفي الحيل إذا نام الطالب أو غفل عن المطلوب أو شغله إنسان بالكلام حتى هرب المطلوب لا يحنث في يمينه، وكذلك لو منعه إنسان عن الملازمة حتى هرب المطلوب لا يحنث في يمينه. وفي مجموع النوازل رجل حلف بطلاق امرأته أنه يعطيها كل يوم درهما فربما يدفع إليها عند الغروب وربما يدفع إليها عند العشاء قال إذا لم يخل كل يوم وليلة عن دفع درهم بر في يمينه وسئل الأوزجندي عمن قال لصاحب الدين إن لم أقض حقك يوم العيد فكذا فجاء يوم العيد إلا أن قاضي هذه البلدة لم يجعله عيدا، ولم يصل فيه صلاة العيد لدليل لاح عنده، وقاضي بلدة أخرى جعله عيدا قال إذا حكم قاضي بلدة بكونه عيدا يلزم ذلك أهل بلدة أخرى إذا لم تختلف المطالع كما في الحكم بالرمضانية وسئل أبو نصر الدبوسي عمن حلف غريمه أن يأتي منزله غدا ويريه وجهه فأتاه فلم يجده، وقد غاب لا يحنث في يمينه. ا هـ ما في الظهيرية. (قوله: لا يقبض دينه درهما دون درهم فقبض بعضه لا يحنث حتى يقبض كله متفرقا لا بتفريق ضروري)؛ لأن الشرط قبض الكل لكنه بوصف التفريق ألا ترى أنه أضاف القبض إلى دين معرف مضافا إليه فينصرف إلى كله فلا يحنث إلا به، ولا يحنث بالتفريق الضروري وهو أن يقبض دينه في وزنتين، ولم يتشاغل بينهما إلا بعمل الوزن؛ لأنه قد يتعذر قبض الكل دفعة واحدة عادة فيصير هذا القبض مستثنى عنه. وأشار المصنف إلى أن اليمين لو كانت مؤقتة باليوم بأن حلف لا يقبض دينه درهما دون درهم اليوم فقبض البعض في اليوم متفرقا أو لم يقبض شيئا لم يحنث؛ لأن شرط الحنث أخذ الكل في اليوم متفرقا، ولم يوجد، وإلى أنه لو قبض الكل جملة ثم وجد بعضها ستوقة فرد لم يحنث بالرد ما لم يستبدل؛ لأن الستوقة غير معتد بها فلم يوجد قبض الكل حتى يقبض البدل فإذا قبضه وجد قبض الكل متفرقا بخلاف ما إذا وجد بعضها زيوفا حيث لا يحنث مطلقا؛ لأنه بر حين وجد قبض الكل وبالرد لم ينتقض القبض في حقه على ما مر، وقيد بقوله دينه لأنه لو قال لا يقبض من دينه درهما دون درهم أو إن قبضت من ديني درهما دون درهم أو إن أخذت من ديني درهما دون درهم فقبض البعض حنث؛ لأن شرط الحنث هنا قبض البعض من الدين متفرقا، وفي مسألة الكتاب قبض الكل بصفة التفريق. وفي الظهيرية، وفي الحيل إذا حلف لا يأخذ ما له على فلان إلا جملة أو إلا جمعا ثم أراد وتطلق على التفاريق فالحيلة أن يترك من حقه درهما ويأخذ الباقي كيف يشاء، وفيه أيضا إذا حلف لا يأخذ من فلان شيئا من حقه دون شيء ثم أراد أن يأخذه على التفاريق أو أراد أن يترك بعض حقه يحنث لكن الحيلة له في ذلك أن يأخذ من غيره قضاء عنه فلا يحنث وإن لم يكن للمطلوب من يؤدي عنه، وكان للطالب من يقبض له لم يحنث في يمينه. وإذا حلف لا يتقاضى فلانا فلزمه ولم يتقاضه لا يحنث. ا هـ. وفيها، ولو قال لا أفارقك اليوم حتى تعطيني حقي اليوم، وهو ينوي أن لا يترك لزومه فمضى اليوم ثم فارقه لا يحنث. (قوله: إن كان لي إلا مائة أو غير أو سوى فكذا لم يحنث بملكها أو بعضها)؛ لأن غرضه نفي ما زاد على المائة فكان شرط حنثه ملك الزيادة على المائة؛ لأن استثناء المائة استثناؤها بجميع أجزائها وغير وسوى كإلا؛ لأن كل ذلك أداة الاستثناء. قيد بكونه ملك الدراهم أو بعضها؛ لأنه لو قال إن كان لي إلا مائة درهم فلم يكن له دراهم، وكان له دنانير حنث؛ لأن الدراهم مال الزكاة فالمستثنى منه يكون مال الزكاة، والدنانير من مال الزكاة. وكذلك لو كان عبدا للتجارة أو عرضا للتجارة أو سوائم مما تجب فيه الزكاة يحنث سواء كان نصابا أو لم يكن، ولو ملك عبدا للخدمة أو ما ليس من جنس الزكاة كالدراهم والعقار والعروض لغير التجارة لا يحنث في يمينه؛ لأنه لم يوجد المسماة كذا في شرح الطحاوي، وفي الجامع الصغير عبده حر إن كنت أملك إلا خمسين درهما فلم يملك إلا عشرة لم يحنث؛ لأنها بعض المستثنى، ولو ملك زيادة على خمسين إن كان من جنس مال الزكاة حنث، وفي خزانة الأكمل لو قال امرأته طالق إن كان له مال، وله عروض وضياع ودور لغير التجارة لم يحنث، وقيد بقوله إن كان لي إلا مائة؛ لأنه لو اختلف في قدر الدين فقال لي عليه مائة، وقال الآخر خمسون فقال: إن كان لي عليه إلا مائة فهذا لنفي النقصان؛ لأنه قصد بيمينه الرد على المنكر، وكذا لو ادعى أنه أعطى زيدا المائة مثلا فقال زيد لم يعطني إلا خمسين فقال: إن كنت أعطيته إلا مائة فإنه يحنث بالأقل كذا في فتح القدير، وفي الظهيرية، ولو قال إن قبضت ما لي على فلان شيئا دون شيء فهو في المساكين صدقة يعني ما له على فلان فقبض تسعة فوهبها لرجل ثم قبض الدرهم الباقي يلزمه التصدق بالدرهم الباقي ويضمن مثل ما وهب ويتصدق بالضمان. ولو قال لا أتركك حتى تخرج من هذه الدار فطلب إليه أن يتركه فقال قد تركتك ثم أبى أن يخرج فإنه يحنث بقوله تركتك. ا هـ. قوله (لا يفعل كذا تركه أبدا)؛ لأنه نفى الفعل مطلقا فعم الامتناع ضرورة عموم النفي. قيد بكون اليمين مطلقة عن الوقت؛ لأنها لو كانت مقيدة به كقوله والله لا أفعل كذا اليوم فمضى اليوم قبل الفعل بر في يمينه؛ لأنه وجد ترك الفعل في اليوم كله وكذلك إن هلك الحالف والمحلوف عليه بر في يمينه لأن شرط البر عدم الفعل، وقد تحقق العدم كذا في المحيط، وقدمنا في أول كتاب الأيمان أنه لو قال والله أفعل كذا أنها يمين النفي وتكون لا مقدرة وليست للإثبات؛ لأنه لا يجوز حذف نون التوكيد ولامه في الإثبات فليحفظ هذا. وفي شرح المجمع في شرح قوله لا يفعل كذا تركه أبدا أن اليمين لا تنحل بفعله، وهو سهو بل تنحل فإذا حنث بفعله مرة لا يحنث بفعله ثانيا. (قوله: ليفعلنه بر بمرة) أي بفعل المحلوف عليه مرة واحدة فإذا تركه بعد ذلك لا يحنث؛ لأن الملتزم فعل واحد غير عين إذ المقام مقام الإثبات فيبر بأي فعل فعله، وإنما يحنث بوقوع اليأس عنه وذلك بموته أو بفوت محل الفعل قيد بكون اليمين مطلقة؛ لأنها لو كانت مؤقتة، ولم يفعل فيه يحنث بمضي الوقت إن كان الإمكان باقيا في آخر الوقت، ولم يحنث إن لم يبق بأن وقع اليأس بموته أو بفوت المحل لأنه في المؤقتة لا يجب عليه الفعل إلا في آخر الوقت فإذا مات الفاعل أو فات المحل استحال البر في آخر الوقت فتبطل اليمين على ما ذكرنا في مسألة الكوز ويأتي فيه خلاف أبي يوسف في فوت المحل، وفي الواقعات حلف إن فعلت كذا ما دمت ببخارى فامرأته طالق فخرج من بخارى ثم رجع ففعل لا يحنث؛ لأنه انتهى اليمين حلف لا يشرب النبيذ ما دام ببخارى، وفارق بخارى ثم عاد فشرب لا يحنث إلا إذا عنى بقوله ما دمت ببخارى أن تكون بخارى وطنا له؛ لأنه جعل كونه بالكوفة غاية ليمينه، وتمامه في الفصل الرابع منها. قوله (ولو حلفه وال ليعلمنه بكل داعر دخل البلدة تقيد بقيام ولايته) بيان لكون اليمين المطلقة تصير مقيدة من جهة المعنى كما في هذه المسألة؛ لأنه مطلقة من حيث اللفظ لكن لما كان مقصود المستحلف دفع شره أو شر غيره بزجره فلا يفيد فائدته بعد زوال سلطنته والزوال بالموت، وكذا بالعزل في ظاهر الرواية والداعر بالدال والعين المهملتين كل مفسد وجمعه دعار من الدعر، وهو الفساد، ومنه دعر العود يدعر بكسر العين في الماضي، وفتحها في المضارع إذا فسد، وإذا تقيدت بقيام ولايته بطلت اليمين بعزله فلا تعود بعد توليته، ولم يذكر المصنف أن اليمين على الفور أو التراخي. وفي التبيين: ثم إن الحالف لو علم الداعر ولم يعلمه لم يحنث إلا إذا مات هو أو المستحلف أو عزل؛ لأنه لا يحنث في اليمين المطلقة بمجرد الترك بل باليأس عن الفعل وذلك بما ذكرنا إلا إذا كانت مؤقتة فيحنث بمضي الوقت مع الإمكان وإلا فلا. ا هـ. وفي فتح القدير، ولو حكم بانعقاد هذه للفور لم يكن بعيدا انظر إلى المقصود، وهي المبادرة لزجره ودفع شره فالدعر يوجب التقييد بالفور، وفور علمه به. ا هـ. وليس العموم في قوله بكل داعر على بابه؛ لأنه لا يمكنه أن يعلمه بكل داعر في الدنيا، وإنما مراده كل داعر يعرفه أو في بلده أو دخل البلد، وأشار المصنف رحمه الله إلى مسائل منها لو حلف رب الدين غريمه أو الكفيل بأمر المكفول عنه أن لا يخرج من البلد إلا بإذنه تقيد بالخروج حال قيام الدين والكفالة؛ لأن الإذن إنما يصح ممن له ولاية المنع، وولاية المنع حال قيامه. ومنها لو حلف لا تخرج امرأته إلا بإذنه تقيد بحال قيام الزوجية بخلاف ما إذا قال إن خرجت امرأته من هذه الدار فعبده حر، ولم يقيده بالإذن أو حلف لا يقبلها فخرجت بعدما أبانها أو قبلها بعدما أبانها حيث يحنث؛ لأنه لم يوجد فيه دلالة التقييد في حال قيام الزوجية، وعلى هذا لو قال لامرأته كل امرأة أتزوجها بغير إذنك طالق فطلق امرأته طلاقا بائنا أو ثلاثا ثم تزوج بغير إذنها طلقت؛ لأنه لم يقيد يمينه ببقاء النكاح؛ لأنها إنما تتقيد به لو كانت المرأة تستفيد ولاية الإذن والمنع بعقد النكاح. ومنها لو أن سلطانا حلف رجلا أن لا يخرج من البلد إلا بإذنه ثم خرج بعد عزله بدون إذنه لا يحنث؛ لأن اليمين تقيدت بحال قيام السلطنة كذا في المحيط، ولم أر حكم ما إذا حلفه وال ليعلمنه بكل داعر ثم عزل من وظيفته وتولى وظيفة أخرى أعلى منها كالدويدار إذا حلف حقيرا ثم صار واليا، وهو المسمى في زماننا بالصوباشاه وينبغي أن لا يبطل اليمين؛ لأنه صار متمكنا من إزالة الفساد أكثر من الحالة الأولى. قوله (يبر بالهبة بلا قبول بخلاف البيع) فإذا حلف ليهبن فلانا فوهب له فلم يقبل فإنه يبر، ولو حلف ليبيعن كذا فباعه فلم يقبل المشتري لا يبر، وكذا في طرف النفي، والفرق أن الهبة عقد تبرع فيتم بالمتبرع، ولهذا يقال وهبت ولم يقبل؛ ولأن المقصود إظهار السماحة، وذلك يتم به، وأما البيع فمعاوضة فاقتضى الفعل من الجانبين. والأصل أن اسم عقد المعاوضة كالبيع والإجارة والصرف والسلم والنكاح والرهن والخلع بإزاء الإيجاب والقبول معا، وفي عقود التبرعات بإزاء الإيجاب فقط كالهبة والصدقة والعارية والعطية والوصية والعمرى والإقرار والهدية، وقال زفر هي كالبيع، وفي البيع، وما معه الاتفاق على أنه للمجموع فلذا، وقع الاتفاق على أنه لو قال بعتك أمس هذا الثوب فلم تقبل فقال بل قبلت أو آجرتك هذه الدار فلم تقبل فقال بل قبلت القول قول المشتري والمستأجر؛ لأن إقراره بالبيع تضمن إقراره بالإيجاب والقبول وقوله فلم يقبل رجوع عنه، وكذا على عدم الحنث إذا حلف لا يبيع فأوجب فقط، وعلى الحنث لو حلف ليبيعن اليوم فأوجب فيه فقط ووقع الخلاف فيه لو كان بلفظ الهبة، وعلى هذا الخلاف القرض، وعن أبي يوسف أن قبول المستقرض لا بد منه فيه؛ لأن القرض في حكم المعاوضة فلو قال أقرضني فلان ألفا فلم أقبل لا يقبل قوله: ونقل عن أبي حنيفة فيه روايتان. والإبراء يشبه البيع من حيث إنه يفيد الملك باللفظ دون قبض والهبة؛ لأنه تمليك بلا عوض، ولهذا ذكر في الجامع أن في القرض والإبراء قياسا واستحسانا، وقال الحلواني فيهما كالهبة، وقيل الأشبه أن يلحق الإبراء بالهبة لعدم العوض والقرض بالبيع، ولا يعلم خلاف أن الاستقراض كالهبة كذا في فتح القدير، وفي شرح المجمع لابن الملك، وهاهنا دقيقة، وهي أن حضرة الموهوب له شرط في الحنث حتى لو وهب الحالف منه، وهو غائب لا يحنث اتفاقا. ا هـ. وأشار المصنف إلى ما في الخانية رجل قال إن وهب لي فلان هذا العبد فهو حر فقال فلان وهبته لك فقال الحالف قبلت، وقبضته قال أبو يوسف لا يعتق؛ لأن الهبة هبة قبل القبول. (قوله: لا يشم ريحانا لا يحنث بشم ورد وياسمين)؛ لأن الريحان عند الفقهاء ما لساقه رائحة طيبة كما لورقه، وقيل في عرف أهل العراق اسم لما لا ساق له من البقول مما له رائحة مستلذة وقيل اسم ما ليس له شجر، وعلى كل فليس الورد والياسمين منه، وإن كان في اللغة اسم لكل ما طاب ريحه من النبات، وفي فتح القدير والذي يجب أن يعول عليه في ديارنا إهدار ذلك كله؛ لأن الريحان متعارف لنوع وهو ريحان الحماحم، وأما الريحان الترنجي منه فيمكن أن لا يكون؛ لأنهم يلزمونه التقييد فيقال ريحان ترنجي وعندنا يطلقون اسم الريحان لا يفهم منه إلا الحماحم فلا يحنث إلا بعين ذلك النوع. ا هـ. وما قاله هو الواقع في مصر ويشم بفتح الياء والشين مضارع شممت الطيب بكسر الميم في الماضي هذه هي اللغة المشهورة الفصيحة. وأما شممته أشمه بفتح الميم في الماضي وضمها في المضارع فقد أنكرها بعض أهل اللغة، وقال هو خطأ وصحح عدمه فقد نقلها الفراء وغيره، وإن كانت ليست بفصيحة ثم يمين الشم تنعقد على الشم المقصود فلو حلف لا يشم طيبا فوجد ريحه لم يحنث، ولو وصلت الرائحة إلى دماغه كذا في فتح القدير. قوله (البنفسج والورد على الورق) فلو حلف لا يشتري بنفسجا أو وردا فاشترى ورقهما يحنث ولو اشترى دهنهما لا يحنث؛ لأنهما يقعان على الورق دون الدهن في عرفنا كذا في الكافي، وفي المبسوط لو اشترى ورق البنفسج لا يحنث، ولو اشترى دهنه يحنث؛ لأن اسم البنفسج إذا أطلق يراد به الدهن ويسمى بائعه بائع البنفسج فيصير هو بشرائه مشتري البنفسج أيضا، وهو رواية الجامع الصغير وذكر الكرخي أنه يحنث بالورق كالدهن، وهذا شيء يبتنى على العرف، وفي عرف أهل الكوفة بائع الورق لا يسمى بائع البنفسج، وإنما يسمى بائع الدهن فبنى الجواب في الكتاب على ذلك ثم شاهد الكرخي عرف أهل بغداد أنهم يسمون بائع الورق وبائع البنفسج أيضا فقال يحنث وبه، وقال هكذا في ديارنا أعني في المبسوط، ولا يقال في أحدهما حقيقة، وفي الآخر مجازا بل فيهما حقيقة ويحنث فيهما باعتبار عموم المجاز، والياسمين قياس الورد لا يتناول الدهن؛ لأن دهنه يسمى زنبقا لا ياسمينا، وكذا الحناء يتناول الورق هذا إذا لم تكن له نية، وقال في الكافي في الحناء تقع في عرفنا على المدقوق. قوله (حلف لا يتزوج فزوجه فضولي، وأجاز بالقول حنث وبالفعل لا) أي لا يحنث، وهذا هو المختار كما في التبيين، وعليه أكثر المشايخ والفتوى عليه كما في الخانية وبه اندفع ما في جامع الفصولين من أن الأصح أنه لا يحنث بالإجازة بالقول أيضا؛ لأن المحلوف عليه هو التزوج، وهو عبارة عن العقد، وهو مختص بالقول، والإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة فيكون للفضولي حكم الوكيل، وللمجيز حكم الموكل، والإجازة بالفعل بعث المهر أو شيء منه والمراد الوصول إليها ذكره الصدر الشهيد، وقيل سوق المهر يكفي سواء وصل إليها أم لا؛ لأن المجوز الإجازة بالفعل، وهي تتحقق بالسوق وبعث الهدية لا تكون إجازة؛ لأنه لا يختص بالنكاح، ولو قبلها بشهوة أو جامعها تكون إجازة بالفعل لكن يكره كراهة تحريم لقرب نفوذ العقد من المحرم. ولو أجاز في نكاح الفضولي بالكتابة هل تكون إجازة بالقول أو بالفعل ذكر في أيمان الجامع في الفتاوى إذا حلف لا يكلم فلانا أو قال والله لا أقول: لفلان شيئا فكتب إليه كتابا لا يحنث وذكر ابن سماعة في نوادره أنه يحنث قيد بكون التزوج بعد اليمين؛ لأنه لو زوجه فضولي ثم حلف لا يتزوج فأجاز فإنه لا يحنث بالقول أيضا؛ لأنها تستند إلى وقت العقد، وفيه لا يحنث بمباشرته فبالإجازة أولى. وأشار المصنف إلى أنه لو حلف لا يزوج عبده أو أمته فأجاز بالقول فإنه يحنث كما يحنث بالتوكيل؛ لأنه مضاف إلى متوقف على إذنه لملكه وولايته، وكذا الحكم في ابنه وابنته الصغيرين لولايته عليهما، ولو كانا كبيرين لا يحنث إلا بالمباشرة لعدم ولايته عليهما بل هو كالأجنبي عنهما فتتعلق بحقيقة العقد، وهو مباشرته العقد ولو كان الحالف هو العبد أو الابن فزوجه مولاه، وهو كاره أو أبوه، وهو مجنون حيث لا يحنثان به بخلاف المكره لوجود الفعل منه حقيقة دونهما. وفي جامع الفصولين فإن كل امرأة أتزوجها أو يزوجها غيري لأجلي وأجيزه فهي طالق ثلاثا لا وجه لجوازه، وفي رقم حر فحيلته أن يزوجه فضولي بلا أمرهما فيجيزه هو فيحنث قبل إجازة المرأة لا إلى جزاء لعدم الملك ثم تجيزه هي فإجازتها لا تعمل فيجددان فيجوز زاد اليمين انعقدت على تزوج واحد، وهذه الحيلة إنما يحتاج إليها إذا قال في حلفه وأجيزه أما إذا لم يقل قال النسفي يزوج الفضولي لأجله فتطلق ثلاثا إذ الشرط تزويج الغير له مطلقا، ولكنها لا تحرم عليه لطلاقها قبل الدخول في ملك الزوج أقول: فيه تسامح؛ لأن وقوع الطلاق قبل الملك محال. ا هـ. وفي الخلاصة لو قال كل امرأة تدخل في نكاحي فهي طالق فهذا بمنزلة ما لو قال كل امرأة أتزوجها وكذا لو قال كل امرأة تصير حلالا لي، ولو قال كل عبد يدخل في ملكي فهو حر فاشترى فضولي عبدا فأجاز هو بالفعل يحنث عند الكل؛ لأن للملك أسبابا كثيرة. ا هـ. وعلل في عمدة الفتاوى للأول بأن الدخول في النكاح ليس له إلا سبب واحد هو النكاح فلا فرق بين أن يذكره أو لا. ا هـ. فعلى هذا لو قال كل امرأة تدخل في عصمتي فهي طالق فإنه يزوجه فضولي ويجيز بالفعل ولا يحنث كما لا يخفى، وفي القنية إن تزوجت عليك فأمرها بيدك فزوجه فضولي فأجاز بالفعل لا يصير الأمر بيدها بخلاف ما لو قال إن دخلت امرأة في نكاحي فأمرها بيدك فإن الأمر يصير بيدها. ا هـ. وهاهنا تعليق كثير الوقوع في مصر، وهو أن يقول إن تزوجت امرأة بنفسي أو بوكيلي أو بفضولي فأنت طالق أو فهي طالق فهل له مخلص؟. قلت: إذا أجاز عقد الفضولي بالفعل فلا يقع عليه طلاق؛ لأن قوله أو بفضولي معطوف على قوله بنفسي والعامل فيه تزوجت، وقد صرحوا بأنه حقيقة في القول فقوله أو بفضولي إنما ينصرف إلى إجازته بالقول فقط فلو زاد عليه أو دخلت في نكاحي أو في عصمتي فالحكم كذلك لما قدمناه من أن الدخول فيه ليس له إلا سبب واحد، وهو التزوج، وهو لا يكون إلا بالقول فلو زاد عليه أو أجزت نكاح فضولي، ولو بفعل فلا مخلص له إلا إذا كان المعلق طلاق المتزوجة فيرفع الأمر إلى شافعي ليفسخ اليمين المضافة كما قدمناه في باب التعليق. (قوله: وداره بالملك والإجارة) أي لو حلف لا يدخل دار فلان يحنث بدخول ما يسكنه بالملك والإجارة؛ لأن المراد به المسكن عرفا فدخل ما يسكنه بأي سبب كان بإجارة أو إعارة أو ملك باعتبار عموم المجاز ومعناه أن يكون محل الحقيقة فردا من أفراد المجاز لا باعتبار الجمع بين الحقيقة والمجاز قيدنا بأن تكون مسكنه؛ لأنه لو لم يكن ساكنا فيها، وهي ملكه لا يحنث قال في الواقعات حلف لا يدخل دار فلان فدخل دارا بين فلان وغيره، وفلان ساكنها لا يحنث إلا أن يدل الدليل على دار الغلة أو غيرها، وأطلق في الملك فشمل الدار المشتركة فلو حلف لا يدخل دار فلان فدخل دارا مشتركة بين فلان وغيره، وفلان ساكنها يحنث؛ لأن جميع الدار تضاف إليه بعضها بالملك، وكلها بالسكنى، ولا بد أن يكون سكنى فلان بها لا بطريق التبعية فلو حلف لا يدخل دار فلانة فدخل دارها وزوجها ساكن فيها لا يحنث؛ لأن الدار تنسب إلى الساكن، والساكن هو الزوج كذا في الواقعات، وقد قدمناها في بحث الدخول. قوله (حلف بأنه لا مال له، وله دين على مفلس أو مليء لا يحنث)؛ لأن الدين ليس بمال وإنما هو وصف في الذمة لا يتصور قبضه حقيقة، ولهذا قيل إن الديون تقضى بأمثالها على معنى أن المقبوض مضمون على القابض؛ لأنه قبضه لنفسه على وجه التملك ولرب الدين على المدين مثله فالتقى الدينان قصاصا فصار غيره حقيقة وشرعا أما الحقيقة فظاهر، وأما الشرع فلا حاجة إلى إسقاط اعتباره؛ لأن التصرف في الدين قبل القبض جائز والمفلس بالتشديد رجل حكم القاضي بإفلاسه والمليء الغني ذكره مسكين والله أعلم.
|